من وحي الذاكرة: بقلم الكاتبة حبيبة زوغي
الكتابة شكل من أشكال التواصل بين البشر، فهي فعل تبادل الرسائل بتوظيف الرموز المكتوبة ولها أحيانا مفعول إكلينيكي يسهم في التصالح مع الماضي، حيث نكتب لاستحضار الزمن الجميل و الطفولة، نكتب لنقول أننا مررنا من هنا، وها نحن نترك االأثر.
لسنوات عدة و أنا أقتنص بورتريهات لشخصيات عامة وأخرى عادية، لشخصيات تعيش أو عاشت بيننا أو معنا، وجوه تراقص النبض اليومي وضغوط الحياة وهلم قسمات وملامح وجوه غيبها الموت وأخرى ما تزال تعيش بين ظهرانينا. أشخاص تركوا أثرا جميلا أو رسموا موقفا ظل بالذاكرة، تفردوا وتميزوا بفعل أو أفعال تجعلنا نهتم بهم ونعيد استحضارهم بفعل الكتابة.
وفي هذا الصدد نورد أول بورتريه حول السيد خالد الخضري:
خالد الخضري رجل أنيق، مثقف، يحمل دوما محفظته التي تعد جزءا من ذاته، يغذي الطفل القابع داخله برومانسيته، كلما قدم لمازغان تراه يجلس بمقهى أمام البحر ، حيث يروي رئتيه من هواء البحر، كما أنه يذهب للمنتجع السياحي سيدي بوزيد ليمارس بعضا من التمارين الرياضية.
يعشق الخضري السينما عشقا لا هوادة فيها، ويواكب عشقه للسينما عشقه لمسقط رأسه “مازغان”، ولبحرها وكل فضاءاتها، هو نورسها الذي يغيب عن شطه ليعود، وقد ملكه الحنين من القلب إلى الكبد، ومن الكبد إلى القلب لهذه المدينة الجميلة.
مرح بطبعه، متواضع حد الشموخ، محب لكل ما هو جميل وراق، كلما قدم إلى الجديدة نجالسه بالمقهى مع بعض الأصدقاء والصديقات، ويكون حماسه للحكي قويا، مرة قرأ علينا قصيدة زجلية حول مدينة مازغان، شبه فيها المدينة بامرأة فاتنة؛ فتانة بجمالها، وكمالها، لم يعد الخضري يتحمل الابتعاد عن مازغان قيد أنملة، فحينما نقرأ له: “مصر بالأبيض والأسود”، نكتشف الفنان المبدع، وحينما نقرأ: “أفلام راسخة، سينما عربية”، نكتشف العاشق للسينما..
درس القانون ليمتهن المحاماة بعد تخرجه، لكنه نورس يعشق النقش على شط السينما، لقد كنت عاشقة للسينما، لكنني عندما أجالس خالد الخضري يزداد عشقي لها، فحينما يتحدث عن الأفلام، يتحدث بلسان الناقد المتمكن من أدواته، والمقتنع برؤيته للأشياء وللإنسان.
لقد كان الخضري أول مغربي أسعفه الحظ لمحاورة الكاتب المصري الرائع نجيب محفوظ، حينما يتحدث عن نجيب محفوظ، فهو يتحدث بشغف طفولي، أجمل ذكرى أحتفظ بها لهذه الشخصية أنه لم يدنس يديه بطين ما، ذات فرص سانحة، فضل أن يظل كما عهده أصدقاؤه دون رتوشات ولا أقنعة، الخضري الصديق المخلص في صداقته، والذي لا يغير وجهة قلبه، كلما غير لون قميصه… أيها العزيز دوما تحية صادقة، وشاسعة لك، في انتظار لقاء بالمقهى بالملاح، مع ثلة من مثقفي المدينة…