من وحي الذاكرة: بقلم الكاتبة حبيبة زوغي
الكتابة شكل من أشكال التواصل بين البشر، فهي فعل تبادل الرسائل بتوظيف الرموز المكتوبة ولها أحيانا مفعول إكلينيكي يسهم في التصالح مع الماضي، حيث نكتب لاستحضار الزمن الجميل و الطفولة، نكتب لنقول أننا مررنا من هنا، وها نحن نترك االأثر.
لسنوات عدة و أنا أقتنص بورتريهات لشخصيات عامة وأخرى عادية، لشخصيات تعيش أو عاشت بيننا أو معنا، وجوه تراقص النبض اليومي وضغوط الحياة وهلم قسمات وملامح وجوه غيبها الموت وأخرى ما تزال تعيش بين ظهرانينا. أشخاص تركوا أثرا جميلا أو رسموا موقفا ظل بالذاكرة، تفردوا وتميزوا بفعل أو أفعال تجعلنا نهتم بهم ونعيد استحضارهم بفعل الكتابة.
وفي هذا الصدد نورد ثاني بورتريه حول الزجال إدريس بلعطار:
ما أكثر الفرص التي نقتنصها لرؤية بعض الأشخاص. لا أخفيكم أن رؤية الأعزاء تبارك العمر.”شوفة الاحباب تزيد ف العمر”
كان الموعد عرسا موسيقيا للاستمتاع والاحتفاء بالموسيقى الأندلسية. علمت أن المبدع إدريس بلعطار سيحضر الحفل فقطعت على نفسي عهدا ألا أغيب ولو حضر الموت الديار. في نفس الليلة اختار ابن أخي ريان المجيء للحياة على غفلة من الزمن..
كان لي أن أختار بين الانغماس في بحر الموسيقى في حضرة العود والرباب والكمنجة، وبين الاستمتاع بفرحة الحياة التي يهبها لنا كل مولود جديد.
غير ما مرة منعني موت الأقارب من حضور بعض اللقاءات الثقافية. الموت يحطم كل الكيان ويطفئ منابت الفرح المخضرة بالقلب.. أما الولادة فهي إكسير الحياة ومنبع النور.
ذهبت للسمر الموسيقي لأدجن الحزن الذي سكن القلب، التقيت المبدع إدريس بلعطار بشوش الوجه كما هي عادته دوما. كثيرة هي المناسبات التي أثير فيها اسم هذا المبدع وأسعفني العمر حتى رأيته. كتب على لوح قدري أن ألقاه خلال ملتقى الزجل دورة 2011
إدريس بلعطار، رجل طويل القامة، أسمر البشرة، مهوس بالزجل وباللهجة الدارجة حتى النخاع، عاشق للمرح وللنكتة.
يحمل بلعطار بداخله طفل شغوف بالحياة، عاشق للكلمة المتقدة والآسرة. مهتم بجدية بالدارجة، فهي لغته التي بها يعبر عن الألم والفرح وبها يتغنى وبها يرسم ملامح الغد المشرق. الدارجة تحرك الواجدان فهي الخيط الرابط بين الإنسان والبيئة التي احتضنته عبر أطوار الحياة.
سكن بلعطار بلعنة الكتابة منذ يفاعته، سيزيف الكلمة يحلمها بشغف وحب يزاوج العبارة بالفكرة ينصهران يبهران وتبقى الكلمة عروس المعنى.
يمتح من ذاكرتنا الشعبية، لغته لكنته تعبر عنه كما يعبر عنها. لسانه عبق برائحة “حْمْرْ، وبالعيطة.”حْمْر” أليست البيئة التي انحدر منها ودرج على ترابها. والعيطة ألم تكن الجنية التي سكنت جسده وأقسمت ألا تفارقه فجعلت منه شاعرا دائم التوقد.
يشعل اللغة بغاز الواقع، حاضره وماضيه فيهدينا قصائد أقل ما يمكن أن يقال إنها شرارات محملة بمعان الكينونة والغوص في الذات لسبر أغوارها. يسكن الدارجة وتسكنه وتسهره الليالي.
لأنك أيها المبدع/الإنسان لا تلبس الأقنعة ولأنك لا تؤمن بالرتوش فلهجتك فاضحة، موجعة وفصيحة. لهجتك مرآة ننعكس عليها عراة. لغتك تعري الجروح الموغلة في الوجع الجماعي.
يعتبر إدريس بلعطار الكتابة رؤية وتصور ومشروع في الكتابة. إن الذي يستسهل كتابة الزجل ويظن أنه –الزجل – مجرد كلمات دارجة وكفى فقد خرج عن دائرة الإبداع وكل ما يمت لها بصلة. وراء نظراته الحزينة المشبعة بألف سؤال هناك فرح مورق. بين كلماته متسع من التأويل والانزياح..
للزجل أن يفخر بك إدريس بلعطار ولنا أن نعتز بوجودك وبكينونتك. لنا أن نقرأ حزنك الثاوي بين معانيك.
يكفيني منك أنك بمعية الأصدقاء: محمد مومر، سعيد الخاتري و نبيل فهمي تدخلت لأصالح البحر “شيخ لعزارى اللي بي غدر”.يكفيني منك أنك إنسان و مبدع.
خاص لقلام
إلا عدوا
اكون حجر
خاص لمداد
إلا زهدوا
يكون بحر
كَلها حرف
جا يوصف:
شحال من نخصة ف الروح
شحال من سكتة ف البوح
و شحال من كَـــــرحة
ف شحال من خاطر تنزف